اكتسب قطاع ريادة الأعمال والعمل الحر دوراً بارزاً وفريداً في قطاع غزة تحت مظلة من الإبداع والمثابرة تشوبها ظروف أقل ما توصف بأنها استثنائية. فرغم الحصار الاقتصادي المفروض منذ سنوات طويلة وجملة التحديات المصاحبة، استطاع الشباب الغزي تحقيق إنجازات ملحوظة في مجالات التكنولوجيا، التصميم، تطوير البرمجيات، التسويق الرقمي، وغيرها من القطاعات التي تعتمد على المهارات الرقمية والإبداعية. واقع ريادة الأعمال والعمل الحر في غزة
كالطفل الذي في ذاته رَجُلاً، نما قطاع ريادة الأعمال نمواً ملحوظاً تخلله عثرات مختلفة خلال العقد الماضي في قطاع غزة على وجه التحديد. يمكن إجمال هذه القفزة الانتقالية لعدة عوامل، منها انتشار الإنترنت في كل بيت ومؤسسة مشكّلاً جسراً تصل وجهته إلى العالمية، وكذلك زيادة الوعي بأهمية العمل الحر، ووجود برامج تدريبية ومبادرات تمويلية تدعم المشاريع الصغيرة والناشئة. لعل التطور التكنولوجي هو من أكثر سمات العصر الحديث بروزاً، وهذا يجعل من البديهي النظر بعمق إلى الواقع الجديد الذي فرضه هذا التطور، فأصبحت منصات العمل الحر العربية منها والأجنبية نافذة للشباب الغزي على الأسواق العالمية، مما أتاح لهم فرصة تحقيق دخل مالي واستقلالية اقتصادية بعيدًا عن سوق العمل المحلي المحدود. كما لعبت حاضنات الأعمال دورًا محوريًا في دعم المشاريع الناشئة من خلال توفير التدريب، الإرشاد، وفرص التمويل.
وثقت غزة – على الرغم من ظروفها المتشعبة جداً – باقة واسعة من قصص النجاح في هذا القطاع، إلا أنه لازال هناك عثرات تُسجل أمام العديد من التحديات التي تختلف بوتيرتها وتبعاً للظرف الذي تمر فيه، ومن ذلك يأتي:
إن قطاع من ريادة الأعمال، لم يكن ليزدهر لولا شرارة العولمة التي انطلقت في منتصف القرن العشرين، وهذا بدوره يأخذنا للفكرة البديهية وهي أن الاحتكاك مع الخبرات بغض النظر عن الفواصل الجغرافية. وهذا للأسف أبرز ما كانت تعاني منه غزة في العقدين الأخيرين، حتى استحال الأمر إلى كارثة إنسانية واضحة الأركان والمعالم بدأت بعد السابع من أكتوبر.
عند الحديث عن البنية التحتية، يمكن اختصار الأمر بكونه مجموعة من البدائل التي قام الشباب الغزي بتوظيفها كحلول لانعدام الطرق والوسائل الأساسية لمنظومة ريادة الأعمال، سعياً للوصول إلى نظام شبه متكامل يخدم منظومة العمل الحر وريادة الأعمال، ويندرج ضمن ذلك، الحلول اللوجستية من كهرباء وانترنت وقِطع غيار للأجهزة الإلكترونية التي يُعتمد عليها في هذا القطاع.
مع الأسف، ترتكز قواعد قطاع الريادة والعمل الحر على أرضية تشتكي الثبات منذ فترة طويلة، وتتأثر بعدة عوامل تجعلها تغير من مسارها بأكثر من طريقة، وبالتالي يلزم وجود خطة طوارئ مستمرة على المدى الطويل.
تفتك الحروب بأكثر المشاريع قوةً وثباتاً، فكيف بالمشاريع والفرص التي ترتكز على عوامل ليست قوية بطبعها. تخلق الحروب أجواء من عدم الاستقرار النفسي والمادي، مما يؤدي إلى تقليص فرص النمو واستمرارية الأعمال.
يحل السابع من أكتوبر، ذلك التاريخ الذي تجتمع فيه كل خيوط القصص المتفرقة لتصبح انتكاسة في واقع الحاضنات التي قربتها المسافات يوماً ما، لكن الحرب جعلتها أبعد عن كل شيء على قساوتها، لا يمكن القول بأن الحرب قد أودت بقطاع العمل الحر وريادة الأعمال كاملاً، لكن ما لا يمكن إخفاؤه بالتأكيد أنه تلقى اوجع الضربات في تاريخه على الإطلاق والتي أدت إلى توقف أكثر من 90% من المشاريع بسبب تدمير المباني والمكاتب والبنية التحتية.
تراجعت الفرص التمويلية نتيجة توجيه الجهات المانحة جهودها نحو الإغاثة الطارئة بدلًا من دعم التنمية المستدامة. تعطل خطوط الاتصال مع العملاء العالميين، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الطرفين. صعوبة تنفيذ المخططات في ظل انعدام الأمان ميدانياً شواطئ من أمل، وآفاق نحو مستقبل واعد على رغم تعقيدات المشهد، وتشابك التحديات يظل الشباب الغزي ذاته هو مصدر إلهام والإصرار على التغيير، والناظر إلى الواقع يرى بأن ما قدمه الشباب الغزي خلال الفترة الأخيرة يمكن التعويل عليه بقوة لسد أي فجوة قد تخلقها الأزمات المتكررة، إن كان من الأمر بدٌ، فلا بد من المؤازرة في مجالات مختلفة أهمها: تبني سردية مهنية مقنعة أمام الأطراف المؤثرة في قطاع الريادة والعمل الحر من شأنها تسهيل المشاركة والمساهمة على الصعيد الدولي والقُطري والمحلي تعزيز دعم الحاضنات والمسرعات الريادية. تحسين البنية التحتية من خلال الاستثمار في الطاقة البديلة والإنترنت. تطوير برامج تمويلية المخصصة لمرحلة التعافي بعد الحروب. تسليط الضوء على قصص النجاح لتعزيز الثقة بقدرات رواد الأعمال المحليين.
برز إلى النور – في ظل الأزمات المتكررة التي يعاني منها قطاع غزة –مبادرة "طاقات" كنموذج ريادي يقدم الدعم لرواد الأعمال والمستقلين خلال الحرب الأخيرة. لعبت "طاقات" دورًا محوريًا في تخفيف آثار الحرب على هذا القطاع الحيوي من خلال تقديم حلول مبتكرة وسريعة للتحديات التي واجهها العاملون في ريادة الأعمال والعمل الحر، تميزت بقدرتها على خلق الحلول الكافية والوافية في وقت قصير نسبياً
مع اندلاع الحرب الأخيرة، أطلقت "طاقات" شراعها نحو سلسلة من الإجراءات والمبادرات التي هدفت إلى الحفاظ على استدامة نشاطات رواد الأعمال ودعم المستقلين، ومن أبرز هذه المبادرات:
أدركت "طاقات" أن توفير الكهرباء والانترنت في آن واحد هو الحد الأدنى من متطلبات البنية التحتية التي ينطلق من خلالها المستقلون ورواد الأعمال. لذا، قامت بتجهيز مساحات العمل في أولى مراكزها مدعمة إياه بنظام طاقة شمسية لتوفير الكهرباء بشكل مستمر، بالإضافة إلى تأمين إنترنت عالي السرعة. فتحت هذا أبوابه على مدار الساعة ليستوعب العاملين الذين فقدوا القدرة على العمل من منازلهم بسبب الظروف.
لم تقتصر جهود "طاقات" على تقديم الدعم المادي فقط، بل شملت أيضًا برامج لدعم الصحة النفسية لرواد الأعمال المتأثرين بالضغوط النفسية الناتجة عن الحرب. تضمنت هذه البرامج جلسات إرشاد فردية وورش عمل لبناء المرونة النفسية.
قدمت "طاقات" حلولًا عملية لمساعدة المستقلين في التواصل مع عملائهم العالميين. قامت بتخصيص فرق دعم لتنسيق العمل مع العملاء وتقديم التوضيحات حول الظروف التي يمر بها المستقلون في غزة، مما ساعد في الحفاظ على الثقة واستمرار المشاريع.
أطلقت "طاقات" برنامجًا لمنح الطوارئ، حيث قدمت مساعدات مالية صغيرة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تأثرت بشكل مباشر بالحرب. ساهمت هذه المنح في تمكين رواد الأعمال من شراء المعدات الأساسية واستئناف أعمالهم في أسرع وقت ممكن.
بعد انخفاض حدة الحرب، نظمت "طاقات" ورش عمل تدريبية ركزت على كيفية التعافي وإعادة بناء الأعمال المتضررة، بالإضافة إلى تقديم استشارات مجانية للمشاريع الناشئة لتطوير استراتيجيات مرنة في مواجهة الأزمات.
في رسالة عرفان تقول "سما"، وهي إحدى المستقلات التي حملتها "طاقات" على البدء من جديد أثناء الحرب:
"كان بعيداً ذلك الحلم، أن أعود للعمل في مكان لم أكن أتصور أنني سأتمكن من إنقاذ عملي خلال الحرب. دعم طاقات كان حاسمًا بالنسبة لي؛ وجدنا مكانًا آمنًا للعمل، وتلقينا دعمًا معنويًا وماديًا ساعدنا على الصمود واستعادة أعمالنا بعد انتهاء الحرب."
أثبتت "طاقات" أن دعم ريادة الأعمال والعمل الحر في غزة لا يقتصر على الظروف العادية فقط، بل يمتد ليشمل أوقات الأزمات. تؤكد المؤسسة التزامها بمواصلة دعم الشباب وتوفير بيئة حاضنة للإبداع حتى في أصعب الظروف. حتى الآن قدمت ما يزيد عن 100000 ساعة عمل للشباب بإمكانيات جيدة قياساً بوضع الحرب الحالي، كانت مساحة العمل هذه مناسبة و ملائمة وداعمة للصمود ومعززة للاقتصاد، اتسعت رقعة هذا المجتمع ليتم افتتاح الفرع الثالث رسمياً جميعها مزودة بإنترنت فائق السرعة وكهرباء تكفي المنتسبين، ويتم التجهيز لافتتاح الفرعين الرابع والخامس بمرافق لتلبية احتياجات المجتمع المهني.
الخلاصة يمكن القول بأن طاقات حققت شراكات استراتيجية هدفها التنمية المستدامة، وإرساء حالة من الاستقرار في مجال العمل الحر داخل القطاع المحاصر لتزيد فرص المستفيدين من المبادرات والمشاريع
يرسل فريق طاقات الدؤوب رسالة مختومة بطابع الإصرار فحواها أن لا مجال لتبقى الشمس محجوبة، وأن لا كف يقدر أن يمسك الفجر عن ستار الليل، وأن الضرورة وأحكامها تتواطأ في خدمة الأهداف النبيلة.